تشكل الطوابع ذاكرةً تاريخيةً، تجذب الهواة وتثير اهتمام المؤرخين. ورغم صغر حجمها واستخدامها في المعاملات الرسمية عادةً، إلّا أنَّها تحمل من القيمة ما يتجاوز ذلك بكثير، خاصةً بعد مرور سنوات على إصدارها، فجزء من هذه الطوابع كان يتم إصداره تكريمًا لأشخاص، أو احتفاءً بمناسبات وطنية، أو تخليدًا لذكرى المذابح والثورات.

وهذه المطبوعات الصغيرة في حجمها، يمكن أن تمنحنا إطلالةً على التاريخ، بعد سنوات من إصدارها وتراجع استخدام البريد عالميًا، واقتصار الطوابع على المعاملات الرسمية إجمالًا. وتبدو طوابع البريد موضوعًا شيقًا في فلسطين، فهي تنلقنا بين استعمارات متعددة، وإدارات كثيرة تعاقبت على المكان، وتاريخ ثورات، إذ إنها لم تصدر عن جهة واحدة، وفي كل حقب ظهرت فواعل سياسية متعددة، حاولت أن تهيمن على الصورة في الملصق الصغير.

يوثّق نادر خيري الدين أبو الجبين في كتابه “تاريخ فلسطين في طوابع البريد” أنّ فلسطين بدأت علاقتها مع الطوابع البريدية بشكلها المنتظم في العهد العثماني، منذ 180 عامًا، وتحديدًا حينما افتتح في البلاد أول مكتب عثماني، وأخذ طابع البريد شهرته مطلع العام 1865. وشهدت البلاد سرعةً في استخدام تلك الخدمة؛ حيث سجلت منطقة فلسطين افتتاح 22 مكتبًا بريديًا مع نهاية القرن التاسع عشر في كلٍ من بيت لحم والقدس ونابلس وغزة ويافا والخليل وطبريا.

 

وبحلول العام 1899، كان البريد الصادر والوارد من فلسطين يمرّ عبر نقطتين مركزيتين؛ أولهما الصادر إلى أوروبا الشرقية ويتم إرساله عبر ميناء بيروت، فيما يمرّ الوارد منها من غرب أوروبا إلى البلاد عبر ميناء بورسعيد وصولاً إلى ميناءي حيفا ويافا.

هذه النشأة التي تبدو في سياقٍ طبيعي، تنقلنا إلى تاريخٍ أكثر تعقيدًا، وتحديدًا مع حلول الاستعمار البريطاني في فلسطين، والذي تولى بحكم الأمر الواقع الإشراف على البريد، فيما كانت الطوابع آنذاك توسّم بعبارة “فلسطين” باللغات الثلاث؛ العربية والعبرية والإنجليزية.

ومما يثير الاهتمام في فترة الانتداب البريطاني حول طباعة طوابع البريد، أن اقتراحات عديدة قُدمت بشأن ما يتوجب أن تتّشح به تلك الصور الصغيرة، مثل النقوش الإسلامية، كتلك التي صدرت عن الحكومة العربية الهاشمية في الحجاز، ومنها ما قدمه الفلسطينيون من صورٍ لمبانٍ دينية كالأقصى وقبة الصخرة وأخرى ليافا وحيفا، والرملة، وأخرى قدمها اليهود من صورٍ لحائط البراق وجبل الزيتون وقبر راحيل.

لكن لجنة بريطانية ترأسها آنذاك، هربرت صموئيل، اعتمدت التصاميم التي قدمها الطرفان، مع ملاحظة استثناء المباني المسيحية بهدف إظهار  الصراع على أنه إسلامي-يهودي، لا عربي-صهيوني.

طوابع المقاومة

مع بدء الثورة الكبرى في فلسطين (1936-1939)،وضمن الصراع مع الاستعمار البريطاني، قررت المقاومة الفلسطينية إصادر طوابع داعمة للثورة ومقاومة الاحتلال البريطاني والاستعمار الاستيطاني الصهيوني؛ واستخدمت هذه الطوابع مع الطوابع الرسمية للمراسلات والمعاملات التي كانت تجري في الثورة الفلسطينية التي شكلت إدارةً ذاتيةً في بعض المناطق. فيما كان ريعُ هذه الطوابع يذهب إلى المؤسسات المالية الوطنية للمساعدة في دعم المقاومة.